وكذلك ـ أيضًا ـ افترى بعض الناس على البخاري الإمام صاحب [ الصحيح ]، أنه كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق، وجعلوه من [ اللفظية ]، حتى وقع بينه وبين أصحابه، مثل محمد بن يحيى الذهلي، / وأبي زُرْعَة، وأبي حاتم، وغيرهم بسبب ذلك، وكان في القضية أهواء وظنون، حتى صنف [ كتاب خلق الأفعال ]، وذكر فيه ما رواه عن أبي قدامة، عن يحيى بن سعيد القَطّان أنه قال : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون : أفعال العباد مخلوقة. وذكر فيه ما يوافق ما ذكره في آخر كتابه [ الصحيح ] من أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يتكلم بصوت، وينادي بصوت، وساق في ذلك من الأحاديث الصحيحة والآثار ما ليس هذا موضع بسطه، وبين الفرق بين الصوت الذي ينادي الله به وبين الصوت الذي يسمع من العباد، وأن الصوت الذي تكلم الله به ليس هو الصوت المسموع من القارئ، وبين دلائل ذلك، وأن أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة، والله ـ تعالى ـ بفعله وكلامه غير مخلوق.
وقال في قوله :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢ ]، إن حدثه ليس كحدث المخلوقين، وذكر قول النبي ﷺ :( إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألا تَكَلَّمُوا في الصلاة ) وذكر عن علماء السلف : أن خلق الرب للعالم ليس هو المخلوق، بل فعله القائم به غير مخلوق، وذكر عن نعيم بن حماد الخزاعي : أن الفعل من لوازم الحياة، وأن الحي لا يكون إلا فعالا، إلى غير ذلك من المعاني التي تدل على علمه وعلم السلف بالحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول.
وذكر أن كل واحدة من طائفتي [ اللفظية المثبتة والنافية ] تنتحل أبا عبد الله، وأن أحمد بن حنبل كثير مما ينقل عنه كذب، وأنهم لم يفهموا بعض كلامه لدقته وغموضه، وأن الذي قاله وقاله الإمام أحمد هو قول الأئمة والعلماء، وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة.


الصفحة التالية
Icon