وكذلك البخاري صاحب [ الصحيح ] وسائر الأئمة، أنكروا ذلك أيضًا، وروى البخاري في آخر [ الصحيح ]، وفي كتاب [ خلق الأفعال ] ما جاء في ذلك من الآثار، وبين الفرق بين صوت الله الذي يتكلم به وبين أصوات العباد بالقرآن؛ موافقة منه للإمام أحمد وغيره من الأئمة، حيث بين أن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الآثار، وأن ذلك ليس صوت العبد بالقراءة، بل ذلك هو صوت العبد، كما قد نص على ذلك كله في مواضع، وعامة أئمة السنة والحديث على هذا الإثبات والتفريق، لا يوافقون قول من يزعم أن الكلام ليس فيه حرف ولا صوت، ولا يوافقون قول من يزعم أن الصوت المسموع من القراء وألفاظهم قديمة، ولا يقولون : إن القرآن ليس إلا الحروف والأصوات.
وقد كتبت كلام الإمام أحمد ونصوصه، وكلام الأئمة قبله وبعده في غير هذا الموضع، فإن جواب هذه [ المسألة ] لا يحتمل البسط الكثير، ولم يكن في كلام الإمام أحمد ولا الأئمة أن الصوت الذي تكلم الله به قديم، بل يقولون : لم يزل الله متكلمًا، وقد يقولون : لم يزل الله متكلما إذا شاء بما شاء، كما يقول ذلك الإمام أحمد، وابن المبارك، وغيرهما.
وكذلك قد تنازع الناس في زمنهم وبعده- من أصحابهم وغيرهم ـ في معنى كون القرآن غير مخلوق، هل المراد به أن نفس الكلام قديم / أزلي كالعلم ؟ أو أن الله لم يزل موصوفًا بأنه متكلم يتكلم إذا شاء ؟ على قولين. ذكرهما الحارث المحاسبي عن أهل السنة، وأبو بكر عبد العزيز في [ كتاب الشافي ] عن أصحاب الإمام أحمد، وذكرهما أبو عبد الله بن حامد في كتابه [ أصول الدين ]. والنزاع في ذلك بين سائر طوائف السنة والحديث، هذا مبنى على أصل [ الصفات الفعلية الاختيارية ]، والنزاع فيه بين جميع الطوائف من أهل الحديث والسنة والفقه والتصوف ومن دخل معهم من أهل المذاهب الأربعة وبين سائر الفرق، حتى بين الفلاسفة أيضًا، وقد حققت ذلك في غير هذا الموضع.


الصفحة التالية
Icon