ومن هؤلاء من يقول : هو قديم، ولا يفهم معنى القديم. فإذا سئل عن ذلك قال : هي قديمة في العلم، ولا يعلم أن المخلوقات كالسماء والأرض بهذه المثابة مع أنها مخلوقة، ومنهم من يقول : قديم بمعنى أنه متقدم على غيره، ولا يعرف أن الذين قالوا : إنه مخلوق لا ينازعون في أنه قديم بهذا المعنى، ومنهم من يقول : إن مرادنا بأنه قديم أنه غير مخلوق، ولا يفهم أنه مع ذلك يكون أزليا لم يزل، وهؤلاء سمعوا / ممن يوافقهم على أنه غير مخلوق، قالوا : هو قديم، فوافقوا على أنه قديم، ولم يتصوروا ما يقولونه.
كما أن من الناس من قال : هو غير مخلوق، وأراد بذلك أنه غير مكذوب، وهذا مما لم يتنازع فيه الناس، كما لم يتنازعوا في أنه قديم بمعنى أنه متقدم على غيره.
والقول الثاني : قول من يقول : إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته مع أن كلامه غير مخلوق. وهذا قول جماهير أهل السنة والنظر، وأئمة السنة والحديث، لكن من هؤلاء من اعتقد أن الله لم يكن يمكنه أن يتكلم في الأزل بمشيئته، كما لم يكن يمكنه عندهم أن يفعل في الأزل شيئًا، فالتزموا أنه تكلم بمشيئته بعد أن لم يكن متكلمًا، كما أنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا، وهذا قول كثير من أهل الكلام والحديث والسنة.
وأما السلف والأئمة فقالوا : إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن كان مع ذلك قديم النوع ـ بمعنى أنه لم يزل متكلما إذا شاء؛ فإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يكون متكلمًا بمشيئته وقدرته، ومن لا يزال متكلما بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلام ممكنا له بعد أن يكون ممتنعًا منه، أو قدر أن ذلك ممكن، فكيف إذا / كان ممتنعًا ؟ لامتناع أن يصير الرب قادرًا بعد أن لم يكن، وأن يكون التكلم والفعل ممكنا بعد أن كان غير ممكن ؟ كما قد بسط هذا في مواضع أخر.


الصفحة التالية
Icon