وهم مع تجهمهم هذا يقولون : إن القرآن مكتوب في المصحف مثل ما أن الله مكتوب في المصحف، وأنه متلو بالألسن مثل ما أن الله مذكور بالألسن، ومحفوظ في القلوب مثل ما أن الله معلوم بالقلوب، وهذا القول فيه نوع من الضلال والنفاق والجهل بحدود ما أنزل الله على رسوله ما فيه، وهو الذي أوقع الجهال في الاستخفاف بحرمة / آيات الله وأسمائه حتى ألحدوا في أسمائه وآياته.
كما أن إطلاق الأولين : أنه ليس للقرآن حقيقة إلا الحروف والأصوات، ولا يفرق بين صوت الله المسموع منه وصوت القارئ وأن القرآن قديم ـ أوقع الجهال منهم والكاذبين عليهم في نقلهم عنهم : أن أصوات العباد والمداد الذي في المصحف قديم، وأن الحروف التي هي كلام الله هي المداد، وإن كانوا لم يقولوا ذلك، بل أنكروه ؛ كما فرق الله بين الكلمات والمداد في قوله :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]، فإن هؤلاء غلطوا غلطين : غلطًا في مذهبهم، وغلطًا في الشريعة.
أما الغلط في تصوير مذهبهم، فكان الواجب أن يقولوا : إن القرآن في المصحف مثل ما أن العلم والمعاني في الورق، فكما يقال : العلم في هذا الكتاب يقال : الكلام في هذا الكتاب؛ لأن الكلام عندهم هو المعنى القائم بالذات فيصور له المثل بالعلم القائم بالذات لا بالذات نفسها.