وأما الغلط في الشريعة، فيقال لهم : إن القرآن في المصاحف مثل ما أن اسم الله في المصاحف ؛ فإن القرآن كلام ؛ فهو محفوظ بالقلوب كما يحفظ الكلام بالقلوب، وهو مذكور بالألسنة كما يذكر / الكلام بالألسنة، وهو مكتوب في المصاحف والأوراق كما أن الكلام يكتب في المصاحف والأوراق، والكلام الذي هو اللفظ يطابق المعنى ويدل عليه، والمعنى يطابق الحقائق الموجودة. فمن قال : إن القرآن محفوظ كما أن الله معلوم، وهو متلو كما أن الله مذكور، ومكتوب كما أن الرسول مكتوب ـ فقد أخطأ القياس والتمثيل بدرجتين :
فإنه جعل وجود الموجودات القائمة بأنفسها بمنزلة وجود العبارة الدالة على المعنى المطابق لها، والمسلمون يعلمون الفرق بين قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ [ الواقعة : ٧٧، ٧٨ ] وبين قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٦ ] ؛
فإن القرآن لم ينزل على أحد قبل محمد؛ لا لفظه، ولا جميع معانيه، ولكن أنزل الله ذكره والخبر عنه، كما أنزل ذكر محمد والخبر عنه، فذكر القرآن في زبر الأولين كما أن ذكر محمد في زبر الأولين، وهو مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل. فالله ورسوله معلوم بالقلوب، مذكور بالألسن، مكتوب في المصحف، كما أن القرآن معلوم لمن قبلنا، مذكور لهم، مكتوب عندهم، وإنما ذاك ذكره والخبر عنه، وأما نحن فنفس القرآن أنزل إلينا، ونفس القرآن مكتوب في مصاحفنا، كما أن نفس القرآن في الكتاب المكنون وهو في الصحف المطهرة.
ولهذا يجب الفرق بين قوله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴾ [ القمر : ٥٢ ]، /وبين قوله تعالى :﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴾ [ الطور : ٢، ٣ ] ؛ فإن الأعمال في الزبر كالرسول وكالقرآن في زبر الأولين، وأما الكتاب المسطور في الرق المنشور، فهو كما يكتب الكلام نفسه والصحيفة، فأين هذا من هذا ؟