أو رسوله أو غير ذلك من الأعيان فإنما في الصحف اسمه، وهو من الكلام ؛ ولهذا قال :﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وإنما في التوراة كتابته وذكره وصفته واسمه وهي المرتبة الرابعة منه، فكيف يجوز تشبيه كون القرآن أو الكلام في الصحف أو الورق بكون الله أو رسوله أو السماء أو الأرض في الصحف أو الورق ؟ !
ولو قال قائل : الله أو رسوله في الصحف أو الورق لأنكر ذلك، إلا مع قرائن تبين المراد، كما في قوله :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ﴾ [ القمر : ٥٢ ]، وفي قوله﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٦ ]، فإن المراد بذلك ذكره وكتابته. و [ الزبر ] جمع زبور، الزبور فعول بمعنى مفعول،
أي : مزبور، أي : مكتوب، فلفظ الزبور يدل على الكتابة، وهذا مثل ما في الحديث المعروف عن مَيْسَرة الفجر قال : قلت : يا رسول الله، / متى كنت نبيًا ـ وفي رواية : متى كتبت نبيًا- ؟ قال :[ وآدم بين الروح والجسد ] رواه أحمد. فهذا الكون هو كتابته وتقديره وهو المرتبة الرابعة، كما تقدم.
فإن هذه المرتبة تتقدم وجود المخلوقات عند الله، وعند من شاء من خلقه، وإن كانت قد تتأخر -أيضًا- فإن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] : إن الله يأمر الملائكة بأن تنسخ من اللوح المحفوظ ما كتبه من القدر ويأمر الحفظة أن تكتب أعمال بني آدم، فتقابل بين النسختين فتكونان سواء. ثم يقول ابن عباس : ألستم قومًا عربًا ؟ وهل تكون النسخة إلا من أصل ؟


الصفحة التالية
Icon