والتقدير والكتابة تكون تفصيلا بعد جملة. فالله ـ تعالى ـ لما قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة لم يظهر ذلك التقدير للملائكة. ولما خلق آدم قبل أن ينفخ فيه الروح أظهر لهم ما قدره، كما يظهر لهم ذلك من كل مولود، كما في الصحيح عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال :( يُجمَع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نُطْفَة، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم / يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد ) وفي طريق آخر وفي رواية :( ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال : اكتب رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح ).
فأخبر ﷺ ـ في هذا الحديث الصحيح- أن الملك يؤمر بكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، بعد خلق جسد ابن آدم وقبل نفخ الروح فيه. فكان ما كتبه الله من نبوة محمد ﷺ ـ الذي هو سيد ولد آدم- بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ الروح فيه من هذا الجنس، كما في الحديث الآخر الذي في المسند وغيره عن العِرباض بن سارية عن النبي ﷺ قال :( إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لَمُنْجَدِل في طينته ) وهذا وأمثاله من وجود الأعيان في الصحف.