وأما وجود الكلام في الصحف فنوع آخر؛ ولهذا حكى ابن قتيبة من مذهب أهل الحديث والسنة : أن القرآن في المصحف حقيقة لا مجازًا، كما يقوله بعض المتكلمة، وإحدى [ الجهميات ] التي أنكرها أحمد، وأعظمها قول من زعم أن القرآن ليس في الصدور ولا في المصاحف، وأن من قال ذلك فقد قال بقول النصارى، كما حكى له ذلك عن موسى / بن عقبة الصوري ـ أحد كتبة الحديث إذ ذاك ؛ ليس هو صاحب المغازي ؛ فإن ذلك قديم من أصحاب التابعين ـ فأعظم ذلك أحمد، وذكر النصوص والآثار الواردة وذلك مثل قوله ﷺ :( استذكروا القرآن فلهو أشد تَفَصِّيًا من صدور الرجال من النََّعَم من عُقُلِها )، ومثل قوله :( الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب ) وغير ذلك.
وليس الغرض هنا إلا التنبيه اللطيف.
ومن قال : إن هذا شبه قول النصارى، فلم يعرف قول النصارى، ولا قول المسلمين، أو علم وجحد، وذلك أن النصارى تقول : إن الكلمة ـ وهي جوهر إله عندهم ورب معبود ـ تدرع الناسوت واتحد به كاتحاد الماء واللبن، أو حل فيه حلول الماء في الظرف، أو اختلط به اختلاط النار والحديد، والمسلمون لا يقولون : إن القرآن جوهر قائم بنفسه معبود، وإنما هو كلام الله الذي تكلم به، ولا يقولون : اتحد بالبشر.


الصفحة التالية