وأما إطلاق حلوله في المصاحف والصدور، فكثير من المنتسبين إلى السنة الخراسانيين وغيرهم يطلق ذلك، ومنهم من العراقيين وغيرهم من ينفي ذلك ويقول : هو فيه على وجه الظهور لا على وجه الحلول، / ومنهم من لا يثبته ولا ينفيه، بل يقول : القرآن في القلوب والمصاحف، لا يقال : هو حال ولا غير حال؛ لما في النفي والإثبات من إيهام معنى فاسد، وكما يقول ذلك طوائف من الشاميين وغيرهم، ولا نزاع بينهم أن كلام الله لا يفارق ذات الله، وأنه لا يباينه كلامه ولا شيء من صفاته، بل ليس شيء من صفة موصوف تباين موصوفها وتنتقل إلى غيره، فكيف يتوهم عاقل أن كلام الله يباينه وينتقل إلى غيره ؟
ولهذا قال الإمام أحمد : كلام الله من الله، ليس ببائن منه، وقد جاء في الأحاديث والآثار :[ أنه منه بدأ، ومنه خرج ] ومعنى ذلك : أنه هو المتكلم به لم يخرج من غيره، ولا يقتضي ذلك أنه باينه وانتقل عنه. فقد قال ـ سبحانه ـ في حق المخلوقين :﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [ الكهف : ٥ ]، ومعلوم أن كلام المخلوق لا يباين محله وقد علم الناس جميعهم أن نقل الكلام وتحويله هو معنى تبليغه، كما قال :﴿ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، وقال تعالى :﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾ [ الأحزاب : ٣٩ ]، وقال تعالى :﴿ لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [ الجن : ٢٨ ]،
وقال النبي ﷺ :( نَضَّرَ الله امرأ سمع منا حديثًا فبلَّغه إلى من لم يسمعه، فَرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، وقال :( بَلِّغوا عني ولو آية ).


الصفحة التالية
Icon