وقد فرق ـ سبحانه ـ بين إيحائه إلى غير موسى وبين تكليمه لموسى في قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ ﴾ إلى قوله :﴿ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [ النساء : ١٣٦ـ ١٦٥ ] فرق ـ سبحانه ـ بين تكليمه لموسى وبين إيحائه لغيره، ووكد تكليمه لموسى بالمصدر، وقال تعالى :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ إلى قوله :﴿ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ﴾ [ الشورى : ١٥ ] إلى آخر السورة. فقد بين ـ سبحانه ـ أنه لم يكن لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد الأوجه الثلاثة؛ إما وحيًا، وإما من وراء حجاب، وإما أن يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء، فجعل الوحي غير التكليم، والتكليم من وراء حجاب كان لموسى.
وقد أخبر في غير موضع أنه ناداه كما قال :﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ﴾ الآية [ مريم : ٢٥ ]، وقال :﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ ﴾ الآية [ القصص : ٣٠ ]. و [ النداء ] باتفاق أهل اللغة لا يكون إلا صوتًا مسموعًا، فهذا مما اتفق عليه سلف المسلمين وجمهورهم. وأهل الكتاب يقولون : إن موسى ناداه ربه نداء سمعه بأذنه، وناداه بصوت سمعه موسى، والصوت لا يكون إلا كلامًا، والكلام لا يكون إلا حروفًا منظومة، وقد قال تعالى :﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [ الجاثية : ٢ ]، وقال :﴿ حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [ فصلت : ١، ٢ ]، وقال :﴿ حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [ الجاثية : ١، ٢ ]
فقد بين في غير موضع أن الكتاب والقرآن العربي منزل من الله.


الصفحة التالية
Icon