وإيحاء الرسول ـ أيضًا ـ أنواع؛ ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أن الحارث بن هشام سأل النبي ﷺ : كيف يأتيك الوحي ؟ قال :( أحيانًا يأتيني مثل صَلْصَلَة الجرس، وهو أشده عليَّ، فَيفصمُ عني وقد وَعَيْتُ ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعِي ما يقول ). قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ولقد رأيته /ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فَيُفْصِمُ عنه، وإن جبينه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا [ [ فيفصم ] : أي يقلع. و [ ليتفصد ] : أي يسيل ].
فأخبر ﷺ أن نزول الملك عليه تارة يكون في الباطن بصوت مثل صلصلة الجرس، وتارة يكون متمثلا بصورة رجل يكلمه، كما كان جبريل يأتي في صورة دَحْيَة الكلبي، كما تمثل لمريم بشرًا سويا، وكما جاءت الملائكة لإبراهيم وللوط في صورة الآدميين، كما أخبر الله بذلك في غير موضع، وقد سمى الله كلا النوعين إلقاء الملك، وخطابه وحيا؛ لما في ذلك من الخفاء؛ فإنه إذا رآه يحتاج أن يعلم أنه ملك، وإذا جاء في مثل صلصلة الجرس يحتاج إلى فهم ما في الصوت.
و القسم الثالث : التكليم من وراء حجاب، كما كلم موسى عليه السلام؛ ولهذا سمى الله هذا [ نداء ] و [ نجاء ] فقال تعالى :﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾ [ مريم : ٥٢ ]، وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [ طه : ١١-١٣ ].