وقد دل كتاب الله على أن اسم الوحي والكلام في كتاب الله فيهما عموم وخصوص، فإذا كان أحدهما عامًا اندرج فيه الآخر، كما اندرج الوحي في التكليم العام في هذه الآية، واندرج التكليم في الوحي العام، حيث قال تعالى :﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [ طه : ١٣ ] وأما التكليم الخاص الكامل فلا يدخل فيه الوحي الخاص الخفي، الذي يشترك فيه الأنبياء وغيرهم، كما أن الوحي المشترك الخاص لا يدخل فيه التكليم الخاص الكامل، كما قال تعالى لزكريا :﴿ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ [ مريم : ١٠ ] ثم قال تعالى :﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ﴾ [ مريم : ١١ ]. فالإيحاء ليس بتكليم، ولا يناقض الكلام، وقوله تعالى ـ في الآية الأخرى ـ :﴿ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا ﴾ [ آل عمران : ١٤ ] إن جعل / معنى الاستثناء منقطعًا اتفق معنى التكليم في الآيتين، وإن جعل متصلا كان التكليم مثل التكليم في سورة الشورى، وهو التكليم العام، وقد تبين أنه إنما كلم موسى تكليما خاصًا كاملا بقوله :﴿ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ] مع العلم بأن الجميع أوحى إليهم، وكلمهم التكليم العام، وبأنه فرق بين تكليمه وبين الإيحاء إلى النبيين، وكذا التكليم بالمصدر، وبأنه جعل التكليم من وراء حجاب قسمًا غير إيحائه، وبما تواتر عن النبي ﷺ وأصحابه من تكليمه الخاص لموسى منه إليه، وقد ثبت أنه كلمه بصوت سمعه موسى، كما جاءت الآثار بذلك عن سلف الأمة وأئمتها موافقة لما دل عليه الكتاب والسنة.
وغلطت هنا الطائفة الثالثة ـ الكلابية ـ فاعتقدت أنه إنما أوحى إلى موسى ـ عليه السلام ـ معنى مجردًا عن صوت.


الصفحة التالية
Icon