وقد يسمى شهادة، وقد زعم طائفة أن ما ذكر في القرآن من تسبيح المخلوقات هو من هذا الباب، وهو دلالتها على الخالق تعالى، ولكن الصواب أن ثَمّ تسبيحًا آخر زائدًا على ما فيها من الدلالة، كما قد سبق في موضع آخر، لكن هذا كله يكون مع التقييد والقرينة؛ ولهذا يصح سلب الكلام والقول عن هذه الأشياء كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ﴾ [ الأعراف : ١٤٨ ] وقال تعالى :﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [ طه : ٨٩ ] وقال الخليل ـ عليه السلام ـ :﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٦٣ ] وقال تعالى :﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٥، ٣٦ ]،
وقال تعالى :﴿ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [ النبأ : ٣٨ ] وقال تعالى :﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٧ ]،
وهذا معلوم بالضرورة والتواتر، وهو سلب القول والكلام عن الحي الساكت والعاجز، فكيف عن الموات ؟ !
وقد علم أن الله ـ تعالى ـ موصوف بغاية صفات الكمال، وأن الرسل قد أثبتوا أنه متكلم بالكلام الكامل التام في غاية الكمال، فمن لم يجعل كلامه إلا مجرد معنى، أو مجرد حروف، أو مجرد حروف وأصوات، فما قدر الله حق قدره، ومن لم يجعل كلامه إلاما يقوم / بغيره فقد سلبه الكمال، وشبهه بالموات، وكذلك من لم يجعله يتكلم بمشيئته، أو جعله يتكلم بمشيئته وقدرته ولكن جعل الكلام من جملة المخلوقات وجعله يوصف بمخلوقاته، أو جعله يتكلم بعد أن لم يكن متكلمًا، فكل من هذه الأقوال، وإن كان فيه إثبات بعض الحق، ففيه رد لبعض الحق ونقص لما يستحقه الله من الكمال.


الصفحة التالية
Icon