فليس قولهم : هذا هو هذا؛ لأنه مساو له في النوع، كما يقال : هذا السواد هو هذا السواد؛ فإن هذا يقولونه لما اتفق من الكلامين، والعلمين؛ والقدرتين، والشخصين. ويقولون في مثل ذلك : وَقْع الخاطر على الخاطر، كوقع الحافر على الحافر. وفي الحقيقة فهو إنما هو مثله، كما قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١١٨ ]، وهم يقولون : هذا هو هذا مع اتفاقهما في الصفات، وقد يكون مع اختلافهما اختلافًا غير مقصود، كما أنهم يقولون للعين الواحدة إذا اختلفت صفتها : هذه عين هذه، ولا هو أيضًا بمنزلة من تمثل بكلام لغيره، سواء كان نظمًا أو نثرًا مثل أن يتمثل الرجل بقول لغيره فيصير متكلمًا به متشبهًا بالمتكلم به أولاً، وهذا مثل أن نقول قولاً قاله غيرنا موافقين لذلك القائل في صحة القول.
ولهذا قال الفقهاء : إن من قال ما يوافق لفظ القرآن على وجه / الذكر والدعاء، مثل أن يقول عند ابتداء الفعل : بسم الله، وعند الأكل : الحمد لله، ونحو ذلك لم يكن قارئًا، وجاز له ذلك مع الجنابة؛ ولهذا قال النبي ﷺ :( أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من القرآن : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ) رواه مسلم. فجعلها أفضل الكلام بعد القرآن، وأخبر أنها من القرآن فهي من القرآن. وإذا قالها على وجه الذكر لم يكن قارئًا.
لكن هذا الوجه قد يضاف فيه الكلام إلى الأول، وإن لم يقصد الثاني تبليغ كلامه؛ لأنه هو الذي أنشأ الحقيقة ابتداء، والثاني قالها احتذاء، فإذا تمثل الرجل بقول الشاعر وإن لم يقصد تبليغ شعره :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
قيل له : هذا كلام لبيد، لكن الثاني قد لا يقصد إلا أن يتكلم به ابتداء؛ لاعتقاده صحة معناه.