فصل


شبهة هؤلاء أنهم وجدوا الناس قد تكلموا في [ حروف المعجم ] و [ أسماء المخلوقات ]. فإن المنتسبين إلى السنة تكلموا في حروف المعجم في غير القرآن والكتب الإلهية، وقال طوائف منهم، كابن حامد، وأبي نصر السجزي، والقاضي في أشهر قوليه، وابن عقيل وغيرهم ـ : إنها مخلوقة، وقالوا : الحروف حرفان. وقال طوائف ـ وهم كثير من أهل الشام، والعراق، وخراسان؛كالقاضي يعقوب البرْزبيني والشريف أبي الفضائل الزيدي الحراني، و يروي ذلك عن الشيخ أبي الحسين بن سمعون، وهو قول القاضي أبي الحسين، و حكاه عن أبيه في آخر قوليه، وهو قول الشيخ أبي الفرج الأنصاري، والشيخ عبد / القادر، وابن الزاغوني وغيرهم ـ : الحرف حرف واحد، وحروف المعجم غير مخلوقة حيث تصرفت ؛ لأنها من كلام الله، وحقيقة الحرف واحدة لا تختلف.
وقد نقل عن الإمام أحمد ـ رضي الله عنه - الإنكار على من قال بخلق الحروف، وأنه لما حكي له أن بعض الناس قال : لما خلق الله الحروف سجدت له إلا الألف، فقال الإمام أحمد : هذا كفر. وروى إنكار ذلك عن غيره من الأئمة.
والأولون لا ينازعون في هذا؛ فإنهم ينكرون على من يقول : إن الحروف مخلوقة ؛ فإنه إذا قال ذلك دخل فيه حروف كلام الله - تعالى ـ من القرآن وغيره، وهم يخصون الكلام في الحروف الموجودة في كلام المخلوق، دون الحروف الموجودة في كلام الله، ويقولون : حقيقة الحروف والاسم وإن كانت واحدة فذلك بمنزلة كلمات موجودة في القرآن، وقد تكلم بها بعض المخلوقين. فالمتكلم تارة يقصد أن يتكلم بكلام غيره، وإن وافقه في لفظه بالنسبة إلينا، وهذا لا يتأتى إلا في الشيء اليسير، وهو ما دون السورة القصيرة؛ فإن الله قد تحدى الخلق أن يأتوا بسورة مثله، وأخبر أنهم لن يفعلوا.


الصفحة التالية
Icon