قال الأولون : فموافقة لفظ الكلام للفظ الكلام لا يوجب أن / يكون لأحدهما حكم الآخر في النسبة إلى المتكلم المخلوق، بحيث ينسب أحدهما إلى من ينسب إليه الآخر، فكيف بالنسبة إلى الخالق ؟ بل لما كتب مسيلمة إلى النبي ﷺ : من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله، رد عليه النبي ﷺ :( من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب ) كان اللفظ برسول الله من المتكلمين سواء من أحدهما صدق - ومن أعظم الصدق ـ ومن الآخر كذب ـ ومن أقبح الكذب.
وقد ذكر الله عن الكفار مقالات سوء في كتابه مثل قولهم :﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [ الكهف : ٤، ٥ ]، وقولهم :﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٣٠ ]، ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٣٠ ] وغير ذلك من الأقوال الباطلة وقد حكاها الله عنهم، فإذا تكلمنا بما حكاه الله عنهم كنا متكلمين بكلام الله، ولو حكيناها عنهم ابتداء لكنا قد حكينا كلامهم الكذب المذموم.
ولهذا قال الفقهاء : من ذكر الله أو دعاه جاز له ذلك مع الجنابة، وإن وافق لفظ القرآن، إذا لم يقصد القراءة. وقالوا : لو تكلم بلفظ القرآن في الصلاة يقصد مجرد خطاب الآدمي بطلت صلاته؛ لأن ذلك من كلام الآدميين، والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، و إن قصد مع تنبيه الغير القراءة صحت صلاته عند الجمهور، كما لو لم / يقصد إلا القراءة، وعند بعضهم تبطل، كقول أبي حنيفة. ومن هذا الباب مسألة الفتح علي الإمام وتنبيه الداخل بآية من القرآن وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon