وسبب ذلك أن معنى الكلام داخل في مسماه، ليس هو اسمًا لمجرد اللفظ والمعنى هو إنشاء وإخبار، والإنشاء فيه الأمر والنهي، ومعلوم أن أمر زيد ليس هو أمر عمرو، ولا حكمه حكمه، وإن اتفق اللفظ، وكذلك اختيار زيد ليس هو اختيار عمرو ولا حكمه حكمه، وإن اتفق اللفظ. فالآمر المطاع الحكيم إذا أمر بأمر كان له حكم خلاف ما إذا أمر به الجاهل العاجز وإن اتفق لفظهما، وكذلك الشاهد العالم الصادق إذا أخبر بخبر كان حكمه خلاف ما إذا أخبر به الجاهل الكاذب وإن اتفق لفظهما.
وإذا كان كذلك فمن أدخل في كلام له بعض لفظ أدخله غيره في كلامه لم يوجب ذلك أن يكون هذا اللفظ من كلام ذلك المتكلم، وإن كان أحد اللفظين شبيهًا بالآخر، وهو بمنزلة من كتب حروفا تشبه حروف المصحف، كتبها كلامًا آخر لم يكن ذلك مما يوجب أن يكون من حروف المصحف.
وقال الآخرون : مجرد الموافقة في اللفظ لا يوجب أن يجعل حكم / أحد اللفظين حكم الآخر، لكن إذا كان أحدهما أصلا سابقًا إلى ذلك الكلام، والآخر إنما احتذى فيه حذوه ومثاله، كان اللفظ والكلام منسوبا إلى الأول، بمنزلة من تمثل بقول لَبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
أو بقوله :
ويأتيك بالأخبار من لم تزود**