وذلك أن الذي قال : الحرف حرف واحد، وأن حروف المعجم ليست مخلوقة، إنما مقصوده بذلك أنها داخلة في كلام الله، وأنها منتزعة من كلام الله، وأنها مادة لفظ كلام الله، وذلك غير مخلوق، وهذا لانزاع فيه. فأما حرف مجرد فلا يوجد لا في القرآن ولا في غيره، ولا ينطق بالحرف إلا في ضمن ما يأتلف من الأسماء والأفعال وحروف المعاني، وأما الحروف التي ينطق بها مفردة مثل : ألف، لام، ميم، ونحو ذلك فهذه في الحقيقة أسماء الحروف، وإنما سميت حروفا باسم مسماها، كما يسمى [ ضرب ] فعل ماض باعتبار مسماه؛ ولهذا لما سأل الخليل أصحابه كيف تنطقون بالزاء من زيد ؟ قالوا : نقول :[ زا ] قال : جئتم بالاسم؛ وإنما يقال :[ زه ].
وليس في القرآن من حروف الهجاء ـ التي هي أسماء الحروف ـ إلا نصفها، وهي أربعة عشر حرفًا، وهي نصف أجناس الحروف : نصف المجهورة، والمهموسة، والمستعلية، والمطبقة، والشديدة، والرخوة، وغير ذلك من أجناس الحروف. وهوأشرف النصفين. والنصف الآخر لا يوجد في القرآن إلا في ضمن الأسماء، أو الأفعال، أو حروف المعاني ـ التي ليست باسم ولا فعل. فلا يجوز أن نعتقد أن حروف المعجم بأسمائها جميعها موجودة في القرآن، لكن نفس حروف المعجم التي /هي أبعاض الكلام موجودة في القرآن، بل قد اجتمعت في آيتين إحداهما في آل عمران، والثانية في سورة الفتح :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ ﴾ الآية [ آل عمران : ١٥٤ ]، و ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ﴾ الآية [ الفتح : ٢٩ ].


الصفحة التالية
Icon