وإذا كان كذلك، فمن تكلم بكلام آخر مؤلف من حروف الهجاء فلم ينطق بنفس الحروف التي في لفظ القرآن، وإنما نطق بمثلها، وذلك الذي نطق به قد يكون هو أخذه وإذا ابتدأ من لفظ كلام الله ـ تعالي ـ وقد لا يكون حقيقة، قيل : الحرف من حيث هو هو شيء واحد، له الحقيقة المطلقة التي لا تأليف فيها لا توجد لا في كلام الله ـ تعالى ـ ولا في كلام عباده، وإنما الموجود الحرف الذي هو جزء من اللفظ أو اسمه إذا لم يوجد إلا حرف، ولكن هذا المطلق، بل الأعيان الموجودة في الخارج قائمة بأنفسها، كالإنسان لا يوجد مجردًا عن الأعيان في الأعيان، لا يوجد مجردًا عن الأعيان إلا في الذهن، لا في الخارج، فكيف بالحرف الذي لا يوجد في الخارج إلا مؤلفًا ؟ ! فلو قدر أنه يوجد في الخارج غير مؤلف متعدد الأعيان كما يوجد الإنسان، لم تكن حقيقته المطلقة من حيث هي هي موجودة إلا في الأذهان لا في الأعيان.
فتبين أن الحروف تختلف أحكامها باختلاف معانيها واختلاف المتكلم / بها، وهذا أوجب تعظيم حروف القرآن المنطوقة والمسطورة، وكان لها من الأحكام الشرعية ما امتازت به عما سواها، واختلاف الأحكام إنما كان لاختلاف صفاتها وأحوالها.
فتبين أن الواجب أن يقال ما قاله الأئمة كأحمد وغيره : إن كلام الإنسان كله مخلوق حروفه ومعانيه، والقرآن غير مخلوق حروفه ومعانيه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال :( يقول الله : أنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشَقَقْتُ لها من اسمى، فمن وصلها وصلْته، ومن قطعها بَتَتُّه )، وروى الربيع بن أنس عن المسيح أنه قال :[ عجبًا لهم كيف يكفرون به و هم يتقلبون في نعمائه، ويتكلمون بأسمائه ؟ ! ].


الصفحة التالية
Icon