واعلم أن الجهالة إذا انتهت إلى هذا الحد صارت بمنزلة من يقول : إن الوتد، والحائط، والعجل الذي يعمل منه الجلد كلام الله، أو يقول : إن يزيد بن معاوية كان من الأنبياء الكبار، أو يقول : إن الله ينزل عشية عَرَفة على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان، أو يقول : إن أبا بكر وعمر ليسا مدفونين بالحجرة، أو أنهما فرعون وهامان، وأنهما كانا كافرين عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم، مثل أبي جهل وأبي لهب، أو يقول : إن علي بن أبي طالب هو العلي الأعلى رب السموات والأرض، أويقول : إن الذي صفعته اليهود وصلبته ووضعت الشوك على رأسه هوالذي خلق السموات والأرض، وإن اليدين المسمرتين هما اللتان خلقتا السموات والأرض، أو يقول : إن الله قعد في بيت المقدس يبكي وينوح حتى جاء بعض مشايخ اليهود فبرك عليه، أو أنه بكى حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة، وأنه ندم على الطوفان، وعض يديه من الندم حتى جري الدم، أو يقول : إن / الشيخ فلان والشيخ فلان يخلق ويرزق، وكل رزق لا يرزقنيه ما أريده، أو يقول : إن عليا هو الذي كان يعلم القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول : إن صانع العالم لما صنعه غلبت عليه الطبيعة حتى أهلك نفسه، أو يقول : إن وجوده ووجود هذا وهذا هو عين وجود الحق، وإن الله هو عين السموات والأرض والنبات والحيوان، وإن كل صوت ونطق في العالم فهو صوته وكلامه، وكل حركة في العالم وسكون فهو حركته وسكونه، وإن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وأنه لو زالت السموات والأرض لزالت حقيقة الله، وأنه من حيث ذاته لا اسم له ولا صفة، وأنه لا وجود له إلا في الأعيان الممكنات، وأنه الوجود المطلق الساري في المخلوقات، الذي لا يتميز ولا ينفصل عن المخلوقات. إلى أمثال هذه المقالات التي يقولها الغلاة من المشركين والكتابيين، ومن أشبههم من غالية هذه الأمة.