ومنه قول النبي ﷺ :( إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به )، وقول معاذ له : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال :( ثكلتك أمك يامعاذ ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ ! )، وقوله :( كلمتان ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم )، وقوله :[ إن أصدق كلمة قالها الشاعر : كلمة لَبِيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل** )
وقوله :( إني لأعلم كلمة لا يقولها أحد عند الموت إلا وجد روحه لها روحًا )، ( فمن كان آخر كلامه : لا إله إلا الله، دخل الجنة )، وما في القرآن : مثل قوله :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [ فاطر : ١٠ ]، وقوله :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ]، ونحو ذلك من أسماء القول والكلام جميعًا ونحوهما، فإنه يدخل فيه اللفظ والمعنى جميعًا عند الإطلاق.
وإذا كان كذلك، فالمتكلم بالكلام المبتدئ له، سواء كان نظمًا أو نثرًا، لا ريب أنه هو الذي ألف معانيه وألف ألفاظه، وأما مفردات [ الأسماء والحروف ] فلا ريب أنه تعلمها من غيره، سواء كانت مخلوقة أو غير مخلوقة؛ فإن اللغات سابقة لكلام عامة المتكلمين، ونطق الناطقين من البشر، وهم تلقوا الأسماء، وحروف الأسماء الموجودة في لغاتهم عمن قبلهم إلى أن ينتهي الأمر إلى أول متكلم بتلك الأسماء المفردة.
ثم إنه مما علم بالاضطرار واتفق عليه أهل الأرض جميعهم : أن الكلام هو كلام من ألف معانيه وألفاظه، وإن كان جميع ما فيه من الأسماء والحروف إنما تعلمها من غيره، فالناس مطبقون على أن هذه القصائد كلام منشئيها، مثل شعر امرئ القيس، والنابغة الذبياني، كقوله :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل**


الصفحة التالية
Icon