فجميع الأمم يعلمون ويقولون : إن هذا شعر امرئ القيس وكلامه، وإن كانت الأسماء المفردة فيه إنما تعلمها من غيره؛ فإن العرب نطقت قبله بلفظ [ قفا ] وبلفظ [ نبك ] وبلفظ [ من ذكرى ] [ حبيب ] [ ومنزل ].
وجميع المسلمين إذا سمعوا قوله ﷺ :( إنما / الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) أو ( ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله روسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )، وقوله :( من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار )، قالوا : هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حديثه، وهذا قوله، مع علمهم أن جميع مفردات هذا الكلام قد كانت موجودة في كلام العرب قبله، مثل لفظ [ إنما ] ولفظ [ الأعمال ] ولفظ [ النية ]، [ النيات ] ولفظ [ كل امرئ ] ولفظ [ ما نوى ] وغير ذلك.
وهكذا كلام الصحابة والتابعين وكلام مصنفي الكتب والرسائل والخطب، كلهم يقول : هذه الرسالة كلام فلان، وهذه الخطبة كلام فلان، وهذه المسألة من كلام فلان، مع علمهم بأنه مسبوق بمفردات الكلام، أسمائه، وحروف هجائه، وذلك لأن الكلام لم يكن كلاما باعتبار الألفاظ المفردة، ولا باعتبار أجزائها ـ وهي حروف الهجاء ـ ولا كان المقصود بوضع اللفظ للمعنى الدلالة على المعاني المفردة؛فإن المعاني المفردة لا يعلم وضع اللفظ لها إلا بعد العلم بها، فلو كان العلم بها لا يستفاد إلا من اللفظ لزم الدور.