ولهذا يقول أهل العربية ـ وهم أخبر بمشبهات الألفاظ من / غيرهم ـ : إن اسم الكلام لا يقال إلا على الجملة المفيدة كالمركبة من اسمين، أو اسم وفعل. وقد ذكر ذلك ـ سيبويه ـ حكيم لسان العرب في [ باب الحكاية بالقول ]، حيث ذكر أن القول يحكى به ما كان كلامًا، ولا يحكى به ما كان قولا، والقول إنما تحكى به الجمل المفيدة، فعلم أنها هي الكلام في لغة العرب.
وحيث أطلق الفقهاء اسم [ الكلام ] على حرفين فصاعدًا في [ باب الصلاة ]، فإنما غرضهم ما يبطل الصلاة، سواء كان مفيدًا أو غير مفيد، وموضوعا، أو مهملا، حتى لو صوت تصويتًا طويلا، ولحن لحون الغناء أبطل الصلاة، وإن لم يكن ذلك في اللغة كلامًا. وهم فيما إذا حلف لا يتكلم أو ليتكلمن، لا يعلقون البر والحنث إلا بما هو في عرف الحالف كلام، وإن كان أخص من الكلام الذي يبطل الصلاة، ولهذا لو حلف لا يتكلم، وأطلق يمينه حنث بكلام المخلوقين، وهل يحنث بتكلمه بالقرآن ؟ من العلماء من قال : لا يحنث بحال. ومنهم من قال : لا يحنث بتلاوته في الصلاة. ومنهم من توقف؛ لأن اليمين مرجعها إلى عرف الحالف، فعموم اسم الكلام وخصوصه عندهم بحسب الأحكام المتعلقة به.
والسلف إذا ذموا أهل الكلام وقالوا : علماء الكلام زنادقة، وما ارتدى أحد بالكلام فأفلح ــ فلم يريدوا به مطلق الكلام، / وإنما هو حقيقة عرفية فيمن يتكلم في الدين بغير طريقة المرسلين.
والخائضون في [ أصول الفقه ] وإن قالوا : إن الكلام : ما تألف من حرفين فصاعدًا، أو ما انتظم من [ الحروف ] وهي الأصوات المقطعة المتواضع عليها، وتنازعوا في الحرف الواحد المؤلف مع غيره، هل يسمى كلاما ؟ على قولين؛ كما قال أكثر متكلميهم : إن الجسم هو المؤلف، وأقل التركيب من جوهرين وتنازعوا في الجوهر الواحد المؤلف، هل يسمى جسما ؟ على قولين؛ فهذا اصطلاح خاص لهم.


الصفحة التالية
Icon