فكان من أول البدع والتفرق الذي وقع في هذه الأمة، بدعة الخوارج المكفرة بالذنب؛ فإنهم تكلموا في الفاسق المِلِّيّ، فزعمت الخوارج والمعتزلة أن الذنوب الكبيرة، ومنهم من قال : والصغيرة لا تجامع الإيمان أبدًا، بل تنافيه وتفسده، كما يفسد الأكل والشرب الصيام، قالوا : لأن الإيمان هو فعل المأمور، وترك المحظور، فمتى بطل بعضه بطل كله كسائر المركبات.
ثم قالت الخوارج : فيكون العاصي كافرًا؛ لأنه ليس إلا مؤمن وكافر، ثم اعتقدوا أن عثمان وعليا وغيرهما عصوا، ومن عصى فقد كفر، فكفروا هذين الخليفتين وجمهور الأمة. وقالت المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين، أنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر.
وقابلتهم المرجئة، والجهمية، ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية. فقالوا : ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة، ولا ترك المحظورات البدنية، والإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان، بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع المؤمنين، من الملائكة، والنبيين، والمقربين، والمقتصدين، والظالمين.
ثم قال فقهاء المرجئة : هو التصديق بالقلب واللسان، وقال أكثر متكلميهم : هو التصديق بالقلب. وقال بعضهم : التصديق باللسان. قالوا : لأنه لو دخلت فيه الواجبات العملية لخرج منه من لم يأت بها كما قالت الخوارج، ونكتة هؤلاء جميعهم : توهمهم أن من ترك بعض الإيمان فقد تركه كله.
وأما أهل السنة والجماعة ـ من الصحابة جميعهم والتابعين، وأئمة أهل السنة وأهل الحديث، وجماهير الفقهاء والصوفية، مثل مالك والثوري، والأوزاعي، وحماد بن زيد، والشافعي، وأحمد بن حنبل / وغيرهم، ومحققي أهل الكلام- فاتفقوا على أن الإيمان والدِّين قول وعمل. هذا لفظ السلف من الصحابة وغيرهم، وإن كان قد يعني بالإيمان في بعض المواضع ما يغاير العمل، لكن الأعمال الصالحة كلها تدخل ـ أيضًا ـ في مسمى الدين، والإيمان، و يدخل في القول قول القلب واللسان، وفي العمل عمل القلب والجوارح.