وقال المفسرون لمذهبهم : إن له أصولا وفروعا، وهو مشتمل على أركان وواجبات ـ ليست بأركان ـ ومستحبات، بمنزلة اسم الحج والصلاة وغيرهما من العبادات؛ فإن اسم الحج يتناول كل ما يشرع فيه من فعل وترك، مثل الإحرام وترك محظوراته، والوقوف بعرفة ومزدلفة ومنى والطواف ببيت الله الحرام، وبين الجبلين المكتنفين به، وهما الصفا والمروة.
ثم الحج مع هذا مشتمل على أركان، متى تركت لم يصح الحج، كالوقوف بعرفة، وعلى ترك محظور متى فعله فسد الحج، وهو الوطء. ومشتمل على واجبات، من فعل وترك، يأثم بتركها عمدًا، ويجب مع تركها ـ لعذر أوغيره ـ الجبران بدم، كالإحرام من المواقيت المكانية والجمع بين الليل والنهار بعرفة، وكرمي الجمار ونحو ذلك، وكترك اللباس المعتاد، والتطيب والصيد وغير ذلك. ومشتمل على مستحبات من فعل وترك يكمل الحج بها، فلا يأثم بتركها، ولا يجب دم، مثل رفع الصوت بالإهلال والإكثار منه، وسوق الهدى، وذكر الله، / ودعائه في الطواف، والوقوف وغيرهما، وقلة الكلام إلا في أمر بمعروف، ونهي عن منكر، أو ذكر الله ـ تعالى ـ فمن فعل الواجب، وترك المحظور، فقد أتم الحج والعمرة لله، وهو مقتصد من أصحاب اليمين في هذا العمل.
لكن من أتى بالمستحب فهو أكمل منه وأتم منه حجًا، وهو سابق مقرب، ومن ترك المأمور، وفعل المحظور، لكنه أتى بركنه، وترك مفسده فهو حاج حجا ناقصا، يثاب على ما فعله من الحج، ويعاقب على ما تركه، وقد سقط عنه أصل الفرض بذلك، مع عقوبته على ما تركه، ومن أخل بركن الحج أو فعل يُفسِده فحجه فاسد لا يسقط به فرض، بل عليه إعادته، مع أنه قد يتنازع في إثابته على ما فعله، وإن لم يسقط به الفرض، والأشبه أنه يثاب عليه.
فصار الحج ثلاثة أقسام : كاملا بالمستحبات، وتاما بالواجبات فقط، وناقصا عن الواجب.


الصفحة التالية
Icon