مع أن اليهود كان يجب عليهم الإقرار بما لا يجب علينا الإقرار به، مثل إقرارهم بواجبات التوراة، وبمحرماتها، مثل السبت، وشحم الثَرْب [ أي : الكرش والأمعاء ] والكليتين [ أي : الكرش والأمعاء ].. ولا يجب عليهم التصديق المفصل بما لم ينزل عليهم من أسماء الله وصفاته، وصفات اليوم الآخر. ونحن يجب علينا من الإيمان بذلك مالم يجب عليهم، ويجب علينا من الإقرار بالصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وحج البيت، وغير ذلك مما هو داخل في إيماننا وليس داخلا في إيمانهم؛ فإن الإقرار بهذه الأشياء داخل في الإيمان باتفاق الأمة. وكذلك الإقرار بأعيان الأنبياء كان الإقرار بأعيانهم داخلا في إيمان من قبلنا، ونحن إنما يدخل في إيماننا الإقرار بهم من حيث الجملة.
والمنازعون لأهل السنة منهم من يقول : الإيمان في الشرع مبقى على ما كان عليه في اللغة، وهو التصديق، ومنهم من يقول : هو / منقول إلى معنى آخر، وهو أداء الواجبات.
وأما أهل السنة فقد يقول بعضهم : هو منقول كالأسماء الشرعية، من الصلاة، والزكاة، وقد يقول بعضهم : بل هو متروك على ما كان، وزادت عليه الشريعة أشياء. ومنهم من يقول : بل هو باق على أصله من التصديق مع دخول الأعمال فيه؛ فإن الأعمال داخلة في التصديق، فالمؤمن يصدق قوله بعمله، كما قال الحسن البصري : ليس الإيمان بالتَّمَنِّى ولا بالتَّحَلِّى؛ ولكن ما وَقَر في القلب، وصَدَّقه العمل. ومنه قول النبي ﷺ :( والفَرْج يُصدِّق ذلك أو يُكَذِّبه ). ومنهم من يقول : ليس الإيمان في اللغة هو التصديق، بل هو الإقرار، وهو في الشرع الإقرار أيضًا، والإقرار يتناول القول والعمل وليس هذا موضع بسط ذلك، فقد بسطته في غير هذا الموضع.


الصفحة التالية
Icon