والقول الثالث : قول من يقول : إنه يتكلم بغير مشيئته وقدرته بكلام قائم بذاته أزلا وأبدًا، وهؤلاء موافقون لمن قبلهم في أصل قولهم، لكن قالوا : الرب تقوم به الصفات، ولا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الصفات الاختيارية.
وأول من اشتهر عنه أنه قال هذا القول في الإسلام عبد الله بن سعيد بن كُلاّب، ثم افترق موافقوه، فمنهم من قال : ذلك الكلام معنى واحد هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل محظور، والخبر عن كل مخبر عنه، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. وقالوا : معنى القرآن والتوراة والإنجيل واحد، ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدَّيْن. وقالوا : الأمر والنهي والخبر صفات للكلام لا أنواع له، ومن محققيهم من جعل المعنى يعود إلى الخبر، والخبر يعود إلى العلم.
وجمهور العقلاء يقولون : قول هؤلاء معلوم الفساد بالضرورة، وهؤلاء يقولون : تكليمه لموسى ليس إلا خلق إدراك يفهم به موسى ذلك المعنى. فقيل لهم : أفهم كل الكلام أم بعضه ؟ إن كان فهمه كله / فقد عَلِمَ عِلْم الله، وإن كان فهم بعضه فقد تبعض، وعندهم كلام الله لا يتبعض ولا يتعدد.
وقيل لهم : قد فرق الله بين تكليمه لموسى وإيحائه لغيره، وعلى أصلكم : لا فرق.


الصفحة التالية
Icon