والوعيدية ـ من الخوارج والمعتزلة ـ يوجبون العذاب في حق أهل الكبائر؛ لشمول نصوص الوعيد لهم، مثل قوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [ النساء : ١٠ ]، وتجعل المعتزلة إنفاذ الوعيد أحد [ الأصول الخمسة ] التى يكفرون من خالفها، ويخالفون أهل السنة والجماعة في وجوب نفوذ الوعيد فيهم، وفي تخليدهم؛ ولهذا منعت الخوارج والمعتزلة أن يكون لنبينا ﷺ شفاعة في أهل الكبائر في إخراج أهل الكبائر من النار، وهذا مردود بما تواتر عنه من السنن في ذلك، كقوله ﷺ :/ ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) وأحاديثه في إخراجه من النار من قد دخلها.
وليس الغرض هنا تحرير هذه الأصول، وإنما الغرض التنبيه عليها، وكان ما أوقعهم في ذلك أنهم سمعوا نصوص الوعيد فرأوها عامة. فقالوا : يجب أن يدخل فيها كل من شملته، وهو خبر، وخبر الله صدق، فلو أخلف وعيده كان كإخلاف وعده، والكذب على الله محال، فعارضهم غالية المرجئة بنصوص الوعد، فإنها قد تتناول كثيرًا من أهل الكبائر فعاد كل فريق إلى أصله الفاسد.
فقال الأولون : نصوص الوعد لا تتناول إلا مؤمنًا، وهؤلاء ليسوا مؤمنين. وقال الآخرون : نصوص الوعيد لا تتناول إلا كافرًا، وكل من القولين خطأ؛ فإن النصوص ـ مثل قوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [ النساء : ١٠ ] ـ لم يشترط فيها الكفر، بل هى في حق المتدين بالإسلام. وقوله :( من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله، دخل الجنة ) لم يشترط فيه فعل الواجبات بل قد ثبت في الصحاح :( وإن زنى، وإن سرق، وإن شرب الخمر ).