فهنا اضطرب الناس، فأنكر قوم من المرجئة العموم. وقالوا : ليس في اللغة عموم وهم الواقفية في العموم من المرجئة، وبعض الأشعرية والشيعية، وإنما التزموا ذلك لئلا /يدخل جميع المؤمنين في نصوص الوعيد.
وقالت المقتصدة : بل العموم صحيح، والصيغ صيغ عموم؛ لكن العام يقبل التخصيص، وهذا مذهب جميع الخلائق، من الأولين والآخرين، إلا هذه الشرذمة قالوا : فمن عفي عنه كان مستثنى من العموم. وقال قوم آخرون : بل إخلاف الوعيد ليس بكذب، وأن العرب لا تعد عارًا أو شَنَارًا أن يوعد الرجل شرًا ثم لا ينجزه، كما تعد عارًا أو شَنارًا أن يعد خيرا ثم لا ينجزه، وهذا قول طوائف من المتقدمين والمتأخرين، وقد احتجوا بقول كعب بن زهير يخاطب النبي ﷺ ـ :
نبئت أن رسول الله أوعدنى** والعفو عند رسول الله مأمول
قالوا : فهذا وعيد خاص، وقد رجا فيه العفو، مخاطبًا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فعلم أن العفو عن المتوعد جائز، وإن لم يكن من باب تخصيص العام.
والتحقيق أن يقال : الكتاب والسنة مشتمل على نصوص الوعد / والوعيد، كما ذلك مشتمل على نصوص الأمر والنهى، وكل من النصوص يفسر الآخر ويبينه، فكما أن نصوص الوعد على الأعمال الصالحة مشروطة بعدم الكفر المحبط؛ لأن القرآن قد دل على أن من ارتد فقد حبط عمله، فكذلك نصوص الوعيد للكفار والفساق مشروطة بعدم التوبة؛ لأن القرآن قد دل على أن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب، وهذا متفق عليه بين المسلمين، فكذلك في موارد النزاع.