ثم إن كان جبريل لم يسمعه من الله وإنما وجده مكتوبًا، كانت العبارة عبارة جبريل، وكان القرآن كلام جبريل، ترجم به عن الله، كما يترجم عن الأخرس الذي كتب كلامًا ولم يقدر أن يتكلم به، وهذا خلاف دين المسلمين.
وإن احتج محتج بقوله :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [ التكوير : ١٩، ٢٠ ]، قيل له : فقد قال في الآية الأخرى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الحاقة : ٤٠ـ٤٢ ]، فالرسول في هذه الآية محمد صلى الله عليه وسلم، والرسول في الأخرى جبريل، فلو أريد به أن الرسول أحدث عبارته لتناقض الخبران. فعلم أنه أضافه إليه إضافة تبليغ لا إضافة إحداث؛ ولهذا قال :﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ ﴾ ولم يقل : ملك ولا نبي، ولا ريب أن الرسول بلغه، كما قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، فكان النبي ﷺ يعرض نفسه على الناس في الموسم ويقول :( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي؛ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ؟ )، ولما أنزل الله :﴿ الم غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ [ الروم : ١، ٢ ]، خرج أبو بكر الصديق فقرأها على الناس، فقالوا : هذا كلامك أم كلام صاحبك ؟ فقال : ليس بكلامي ولا كلام صاحبي، ولكنه كلام الله.


الصفحة التالية
Icon