وإن احتج بقوله :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ﴾ [ الأنبياء : ٢ ]، قيل له :/ هذه الآية حجة عليك، فإنه لما قال :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ﴾ علم أن الذكر منه محدث ومنه ما ليس بمحدث؛ لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال : ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعامًا حلالا ونحو ذلك، ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي، ولكنه الذي أنزل جديدًا؛ فإن الله كان ينزل القرآن شيئًا بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخرًا، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال :﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [ يس : ٣٩ ]، وقال :﴿ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [ يوسف : ٩٥ ] وقال :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ [ الأحقاف : ١١ ] وقال :﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾ [ الشعراء : ٧٥، ٧٦ ]، وكذلك قوله :﴿ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [ الزخرف : ٣ ] لم يقل : جعلناه فقط، حتى يظن أنه بمعنى خلقناه، ولكن قال :﴿ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي : صيرناه عربيًا؛ لأنه قد كان قادرًا على أن ينزله عجميًا، فلما أنزله عربيا كان قد جعله عربيًا دون عجمي. وهذه المسألة من أصول أهل الإيمان والسنة التي فارقوا بها الجهمية من المعتزلة والفلاسفة ونحوهم، والكلام عليها مبسوط في غير هذا الموضع، والله أعلم.
وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عمن قال :


الصفحة التالية
Icon