وقالوا لإخوانهم الأولين : إذا قلتم : إن الكلام هو مجرد المعنى، / وقد خلق عبارة بيان... فإن قلتم : إن تلك العبارة كلامه حقيقة، بطلت حجتكم على المعتزلة؛ فإن أعظم حجتكم عليهم قولكم : إنه يمتنع أن يكون متكلمًا بكلام يخلقه في غيره، كما يمتنع أن يعلم بعلم قائم بغيره، وأن يقدر بقدرة قائمة بغيره، وأن يريد بإرادة قائمة بغيره، وإن قلتم : هي كلام مجازًا، لزم أن يكون الكلام حقيقة في المعنى مجازًا في اللفظ، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من جميع اللغات.
والصنف الثالث : الذين لم يمنعوا المقدمتين، ولكن استفسروهم وبينوا أن هذا لا يستلزم صحة قولكم، بل قالوا : إن قلتم : إن الحرف والصوت محدث بمعنى أنه يجب أن يكون مخلوقًا منه منفصلا عنه، فهذا دليل على فساد قولكم وتناقضه، وهذا قول ممنوع، وإن قلتم : بمعنى أنه لا يكون قديمًا، فهو مُسلَّم، لكن هذه التسمية محدثة.
وهؤلاء صنفان : صنف قالوا : إن المحدث هو المخلوق المنفصل عنه، فإذا قلنا : الحرف والصوت لا يكون إلا محدثًا، كان بمنزلة قولنا : لا يكون إلا مخلوقًا، وحينئذ فيكون هذا المعتزلي أبطل قوله / بقوله، حيث زعم أنه يتكلم بحرف وصوت مخلوق، ثم استدل على ذلك بما يقتضى أنه يتكلم، لا يتكلم بكلام مخلوق فيه تلبيس.


الصفحة التالية
Icon