ونحن لا نقول : كلم موسى بكلام قديم ولا بكلام مخلوق، بل هو ـ سبحانه ـ يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء، كما أنه ـ سبحانه وتعالى ـ خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه ـ سبحانه ـ استوى إلى السماء وهي دخان، وأنه ـ سبحانه ـ يأتي في ظُلَل من الغمام والملائكة، كما قال :﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [ الفجر : ٢٢ ]، وقال :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٨ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ التوبة : ١٠٥ ] وأمثال ذلك في القرآن والحديث كثير.
يبين الله ـ سبحانه ـ أنه إذا شاء فعل ما أخبر عنه من تكليمه وأفعاله القائمة بنفسه، وما كان قائمًا بنفسه هو كلامه لا كلام غيره. والمخلوق لا يكون قائمًا بالخالق، ولا يكون الرب محلا للمخلوقات، بل هو ـ سبحانه ـ يقوم به ما شاء من كلماته وأفعاله، وليس من ذلك شيء مخلوقًا، إنما المخلوق ما كان بائنًا عنه، وكلام الله من الله ليس ببائن منه؛ ولهذا قال السلف : القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، / وإليه يعود. فقالوا : منه بدأ، أي : هو المتكلم به، لا أنه خلقه في بعض الأجسام المخلوقة.
وهذا الجواب هو جواب أئمة أهل الحديث والتصوف والفقه وطوائف من أهل الكلام من أئمتهم، من الهشامية، والكرامية، وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon