فإنه من المعلوم أن هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، تكلم به بلفظه ومعناه، فهو الذي أخبر بمعناه، وهو الذي ألف حروفه وتكلم بها بصوته. ثم المبلغ بذلك عنه بلّغ كلامه، كما قال النبي ﷺ :( نَضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا، فبلغه كما سمعه، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، فدعى بالنضرة لمن سمع منه حديثًا فبلغه كما سمعه. فبين أن الحديث المسموع منه هو الحديث المبلغ عنه، مع العلم بأن المبلغ عنه بلغه بأفعاله وأصواته، وأن الصوت المسموع منه هو صوته لا صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النبي ﷺ تكلم بذلك الحديث بصوته المختص به، فالمبلغ عنه هو حديثه الذي سمع منه، وليس الصوت المسموع صوته.
فإذا قال القائل : هل هذا الحديث الذي قرأه المحدث القائم به / حين القراءة هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قام به حين تكلم به وكان صفة له أم لا ؟ قيل له : إن كنت تريد : أن نفس الحديث من حيث هو هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قام به حين تكلم به كان صفة له، فنعم. هذا الحديث من حيث هو هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنت تريد : أن ما اختص بالقارئ من حركاته وأصواته هو القائم بالرسول، فليس كذلك.
وكذلك إن أردت : أن نفس ما اختص به الرسول من حركاته وأصواته، والصفات القائمة بنفسه هي بعينها انتقلت عن الرسول. وقامت بالقارئ، فليس كذلك.
وقول القائل : هذا هو هذا وليس هو إياه، وهذا هو عين هذا وليس هو عينه، لفظ فيه إجمال؛ فإن من نقل لفظ غيره، كما سمعه وكتبه في كتاب، فإنه يقول : هذا كلام فلان بعينه، وهذا نفس كلامه، وهذا عين كلامه. ومراده أن نفس ما قاله هو الذي بلغه عنه، وهو المكتوب في الكتاب، لم يزد فيه ولم ينقص منه.