فإذا قال القائل لما سمع من القارئ : هذا عين كلام الله، أو هذا كلام الله بعينه، أو هذا نفس كلام الله، أو قال لما بين لوحي المصحف : هذا كلام الله بعينه، وهذا عين كلام الله ـ كان صادقًا، / ومن أنكر ذلك بهذا الاعتبار كان مقتضى قوله : أن القرآن زيد فيه ونقص؛ ولهذا كان الناس مطبقين على أن ما بين اللوحين كلام الله، والإنكار على من نفي ذلك.
وقد يقال لكلام المتكلم المسموع منه : هذا كلام زيد بعينه، وهذا عين كلام زيد، وهذا نفس كلام زيد، بمعنى أنه مسموع منه بلا واسطة، بحيث يسمع صفة ذلك المتكلم المختص به بذلك، كما قال أيوب السختياني : كان الحسن يتكلم بكلام فيأتي مثل الدر، فتكلم به بعده قوم فجاء مثل البَعْر. والمتكلم بالكلام من البشر له صوت يخصه، ونغمة تخصه، كما له سجية تخصه، كما قال تعالى :﴿ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ [ الروم : ٢٢ ]. وله أيضًا ـ إن كان أمرًا أو نهيًا أو خبرًا ـ من الحال والصفة والكيفية ما يختص به، فإذا سمع كلامه بالصفة المختصة به، وقيل : هذا كلامه بعينه، وهذا عين كلامه، ونفس كلامه، وأدخلت الصفة المختصة به في مسمى العين والنفس، لم يصدق هذا عليه، إذا كان مرويا.
لكن لما كان الناس في زماننا يعلمون أن أحدًا لا يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسبق هذا المعنى إلى ذهن أحد، بل كل أحد يعلم أنا إذا قلنا : سمعنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كلام النبي ﷺ بعينه، وهذا عين كلامه، فإنما المراد به / المعنى الأول، وهو كونه مسموعًا من المبلغ عنه، لا أنه مسموع منه، ولا أن تكلمه الذي يختص بالكلام وجد.


الصفحة التالية
Icon