وإذا كان هذا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فكلام الله ـ سبحانه ـ أولى بذلك، فإن الناس يعلمون أن أحدًا منهم لم يسمعه من الله، ، كما سمع موسى كلام الله من الله، بل يعلمون أن كلام الله إنما سمع من المبلغين له، كما قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، وقال تعالى :﴿ لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [ الجن : ٢٨ ]، وقال نوح :﴿ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ﴾ [ الأعراف : ٦١، ٦٢ ].
وفي سنن أبي داود عن جابر : أن النبي ﷺ كان يقول بالموقف :( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ؟ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي ).
فلما كان هذا مستقرًا في قلوب المستمعين علموا أن قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٦ ]، إنما هو سماعه من المبلغين له، لا سماعه منه، وأن هذا السماع ليس كسماع موسى كلام الله من الله؛ فإن موسى سمعه منه بلا واسطة، ونحن إذا سمعنا كلام النبي ﷺ من الصحابة لم يكن كسمع الصحابة / من النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنهم يبلغون حديثه كما سمعوه، مع العلم بأنهم لم يحكوا صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فلا هي أصواتهم صوته، ولا مثل صوته، مع أنهم بلغوا حديثه كما سمعوه. فالقرآن أولى أن يكون جبريل بلغه كما سمعه، والرسول بلغه كما سمعه، والأمة بلغته كما سمعته، وأن يكون ما بلغته هو ما سمعته، وهو كلام الله ـ عز وجل ـ في الحالين، مع أن الرسول بشر من جنس البشر، والله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ].


الصفحة التالية
Icon