والتفاوت الذي بين صفات الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت بين أدنى المخلوقات وأعلاها، فإذا كان سَمْع التابعين لكلام النبي ﷺ من الصحابة ليس كسمع الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم، فسماع كلام الله من الله أبعد من مماثلة سماع شيء لشيء من المخلوقات.
والقائل إذا قال لما سمعه من المبلغ عن الرسول : هذا كلام الرسول أو هذا كلام صواب، أو حق أو صحيح، أو هذا حديث رسول الله أداه كما سمعه، أو هذا نفس كلام الرسول أو عينه فإنما قصد إلى مجرد الكلام، وهو ما يوجد حال سماعه من المبلغ، والمبلغ عنه لم يشر إلى ما يختص بأحدهما، فلم يشر إلى مجرد صوت المبلغ، ولا مجرد صوت المبلغ عنه، ولا إلى حركة أحد منهما، بل هناك أمر يتحد في الحالين، /وهذا أمر يتعدد يختص كل منهما منه بما يخصه.
فإذا قيل : هذا هو كلامه، كانت الإشارة إلى المتحد المتفق عليه بينهما. وإذا قيل : هذا صوته كانت الإشارة إلى المختص المتعدد، فيقال : هذا صوت غليظ، أو رقيق، أو حسن، أو ليس حسنًا، كما في الحديث الذي في سنن ابن ماجه عن النبي ﷺ أنه قال :( لَلَّهُ أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب الْقَيْنَة إلى قينته )، وفي الحديث المشهور :( زيِّنُوا القرآن بأصواتكم ). قال أحمد : يحسنه بصوته ما استطاع. فبين الإمام أحمد أن الصوت صوت القارئ، مع أن الكلام كلام البارئ. وهذا كما أنه معلوم من تبليغ كلام الله ورسوله، فكذلك في تبليغ كلام كل أحد، فإذا سمع الناس منشدًا ينشد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قالوا : هذا شعر لَبيد، لفظه ومعناه، وهذا كلام لبيد، كما قال النبي ﷺ :( أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل ).


الصفحة التالية
Icon