ولو قال المنشد : هذا شعري أو كلامي لكذبه الناس، كما يكذبونه لو قال : هذا صوت لبيد، وإذا قال : هذا لفظ لبيد بالمعنى المعروف ـ / وهو أن هذا الكلام الملفوظ هو كلامه بنظمه وتأليفه ـ لصدقه الناس. وإن قال : هذا لفظه بمعنى أن هذا بلفظه، كذبه الناس؛ فإن [ اللفظ ] يراد به المصدر، ويراد به الملفوظ، وكذلك [ التلاوة ] و [ القراءة ] يراد بذلك المصدر، ويراد به الكلام نفسه الذي يقرأ ويتلى.
وأصل هذا : أن تعلم الجامع والفارق بين سماع الكلام من المتكلم به، ومن المبلغ له عن المتكلم به، وأنه كلامه في الحالين، لكن هو في أحدهما مسموع منه سماعًا مطلقًا بغير واسطة، وفي الأخرى مسموع منه سماعًا مقيدًا بواسطة التبليغ، كما أنك تارة ترى الشمس والقمر والكواكب بطريق المباشرة، فلا تحتاج في ذلك إلى واسطة، وتارة تراها في ماء أو مرآة ونحو ذلك، تراها بواسطة ذلك الجسم الشفاف، فهي المقصودة بالرؤية في الموضعين، لكن في إحدى الحالتين رأيتها نفسها بالمباشرة رؤية مطلقة، وفي الأخرى رأيتها رؤية مقيدة بواسطة.
وإذا قلت : المرئي مثالها أو خيالها أو نحو ذلك. قيل : أنت تجد الفرق بين رؤيتك خيال الشيء الذي هو ظله وتمثاله الذي هو صورته المصورة، وبين رؤيته في الماء والمرآة، إذا كان المرئي هنا، وإن كان لابد فيه من توسط خيال، فالمقصود بالرؤية هو الحقيقة، ولكن تختلف باختلاف المرآة، فيرى كبيرًا إن كانت المرآة كبيرة، وصغيرًا / إن كانت المرآة صغيرة، ومستطيلا إن كانت المرآة مستطيلة. وهذا الكلام المروي عن الغير المقصود منه هو نفس كلام ذلك الغير، وإن كان لابد من توسط صوت هذا المبلغ؛ ولهذا يختلف باختلاف صوت المبلغ؛ فتارة يكون رقيقًا، وتارة غليظًا، وتارة مجهورًا به، وتارة مخافتًا به.


الصفحة التالية
Icon