وأما قوله : إذا قام بنا، هل كان منتقلا عن الله بعد أن قام به أم يكون قائمًا بنا وبه معًا ؟ أم الذي قام بنا يكون عبارة عن كلام الله أو حكاية عنه ؟ ويكون إطلاق كلام الله عليه مجازًا ؟
فيقال : إن صفة المخلوق لا تفارق ذاته، وتنتقل عنه وتقوم بغيره، فكيف يجوز أن يقال : إن صفة الرب ـ سبحانه ـ فارقت ذاته، وانتقلت عنه وقامت بغيره. وقد بينا أن المتكلم منا إذا أرسل غيره بكلام فإنه ما قام به، بل لم يفارق ذاته وينتقل إلى غيره، فكلام الله أولى وأحرى، بل كلامه ـ سبحانه ـ قائم به، كما يقوم به لو تكلم به ولم يرسل به رسولا، فإرساله رسولا به يفيد إبلاغه إلى الخلق، وإنزاله إليهم / لا يوجب نقصًا في حق الرب، ولا زوال اتصافه به، ولا خروجه عن أن يكون كلامه، بل نعلم أن الرب كما أنه قد يتكلم به، ولا يرسل به رسولاً قد يتكلم به ويرسل به رسولا، فهو ـ سبحانه ـ في الحالين كلامه، بل إرسال الرسول به نفع الخلق، وهداهم، ولم يجب به نقصان صفة مولاهم.
وقوله : أم يكون قائمًا بنا وبه ؟ فيقال : معنى [ القائم ] لفظ مجمل؛ فإن أريد أن نفس الكلام من حيث هو هو تكلم هو به، وتكلمنا به مبلغين له عنه، فكذلك هو. وإن أريد : أن ما اختص به يقوم بنا، أو ما اختص بنا يقوم به، فهذا ممتنع. وإن أريد بالقيام : أنا بلغنا كلامه، أو قرأنا كلامه، أو تلونا كلامه، فهذا صحيح، فكذلك إن أريد : أن هذا الكلام كلامه مسموعًا من المبلغ لا منه. وإن أريد بالقيام : أن الشيء الذي اختص به هو بعينه قام بغيره مختصًا به، فهذا ممتنع. وإن قيل : الصفة الواحدة تقوم بموضعين. قيل : هذا ـ أيضًا ـ مجمل؛ فإن أريد أن الشيء المختص بمحل يقوم بمحل آخر فهذا ممتنع، وإن أريد : أن الكلام الذي يسمى صفة واحدة يقوم بالمتكلم به ويبلغه عنه غيره، كان هذا صحيحًا.


الصفحة التالية
Icon