إما رجل من الملاحدة والفلاسفة، الذين يقولون : إنه فيض فاض على نفس النبي من العقل الفعال، ويقولون : إنه جبريل. ويقولون : إن جبريل هو الخيال الذي يتمثل في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون : إنه تلقاه معان مجردة، ثم إنه تشكل في نفسه حروفًا كما يتشكل في نفس النائم، كما يقول ذلك ابن عربي صاحب [ الفصوص ] وغيره من الملاحدة؛ ولهذا يدعى أنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول، فإن [ المعدن ] عنده هو العقل، و [ الملك ] هو الخيال الذي في نفسه، والنبي عندهم يأخذ من هذا الخيال. / وهذا الكلام من أظهر الكفر بإجماع المسلمين واليهود والنصارى، وهو مما يعلم فساده بالاضطرار من دين المسلمين.
أو رجل ينتسب إلى مذهب الأشعري، ويظن أن هذا قول الأشعري؛ بناء على أن الكلام العربي لم يتكلم الله به عنده، وإنما كلامه معنى واحد قائم بذات الرب، هو الأمر والخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، وهذا القول، وإن كان قول ابن كلاب والقلانسي، والأشعري ونحوهم، فلم يقولوا : إن الكلام العربي كلام جبريل، ومن حكي هذا عن الأشعري نفسه فهو مجازف، وإنما قال طائفة من المنتسبين إليه ـ كما قالت طائفة أخرى ـ : إنه نظم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن المشهور عنه : أن الكلام العربي مخلوق، ولا يطلق عليه القول بأنه كلام الله، لكن إذا كان مخلوقًا، فقد يكون خلقه في الهواء، أو في جسم، لكن القول إذا كان ضعيفًا ظهر الفساد في لوازمه.


الصفحة التالية
Icon