وأما التلاوة في نفسها، التي هي حروف القرآن وألفاظه، فهي غير مخلوقة، والعبد إنما يقرأ كلام الله بصوته، كما أنه إذا قال : قال النبي ﷺ :( إنما الأعمال بالنيات ) فهذا الكلام لفظه ومعناه إنما هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قد بلغه بحركته وصوته، كذلك القرآن لفظه ومعناه كلام الله ـ تعالى ـ ليس للمخلوق فيه إلا تبليغه وتأديته وصوته، وما يخفى على لبيب الفرق بين التلاوة في نفسها، قبل أن يتكلم بها الخلق، وبعد أن يتكلموا بها، وبين ما للعبد في تلاوة القرآن من عمل وكسب، وإنما غلط بعض الموافقين والمخالفين، فجعلوا البابين بابا واحدًا، وأرادوا أن يستدلوا على نفس حدوث حروف القرآن بما دل على حدوث أفعال العباد وما تولد عنها، وهذا من أقبح الغلط، وليس في الحجج العقلية، ولا السمعية، ما يدل على حدوث نفس حروف القرآن، إلا من جنس ما يحتج به على حدوث معانيه. والجواب عن الحجج مثل الجواب عن هذه لمن استهدى الله فهداه.
وأما ما ذكره من آيات الصفات وأحاديثها، فمذهب سلف الأمة ـ من الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة المتبوعين ـ الإقرارُ والإمرارُ. قال / أبو سليمان الخطابي [ هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، فقيه محدث، من أهل بست ( من بلاد كابل ) من نسل زيد بن الخطاب ( أخي عمر بن الخطاب ) له مصنفات كثيرة منها :[ معالم السنن ] في شرح سنن أبي داود، و [ بيان إعجاز القرآن ]، توفى سنة ٣٨٨هـ ]، وأبو بكر الخطيب : مذهب السلف في آيات الصفات، وأحاديث الصفات، إجراؤها على ظاهرها مع نفي الكيفية، والتشبيه عنها. وقالا في ذلك : إن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات ذاته إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إثبات وجود لا إثبات كيفية، فلا نقول : إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع العلم، هذا كلامهما.