سئل ـ رحمه الله ـ عن رجلين تباحثا، فقال أحدهما : القرآن حرف وصوت. وقال الآخر : ليس هو بحرف ولا صوت، وقال أحدهما : النقط التي في المصحف والشكل من القرآن، وقال الآخر : ليس ذلك من القرآن، فما الصواب في ذلك ؟
فأجاب ـ رضي الله عنه :
الحمد لله رب العالمين. هذه [ المسألة ] يتنازع فيها كثير من الناس ويخلطون فيها الحق بالباطل، فالذي قال : إن القرآن حرف وصوت إن أراد بذلك أن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله الذي نزل به الروح الأمين على محمد ﷺ خاتم النبيين والمرسلين، وأن جبريل سمعه من الله والنبي ﷺ سمعه من جبريل، والمسلمون سمعوه من النبي ﷺ كما قال تعالى :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ النحل : ١٠٢ ]، وقال :﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ] فقد أصاب في ذلك؛ فإن هذا مذهب سلف الأمة وأئمتها، والدلائل على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع.
ومن قال : إن القرآن العربي لم يتكلم الله به وإنما هو كلام جبريل أو غيره عبر به عن المعنى القائم بذات الله، كما يقول ذلك ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما فهو قول باطل من وجوه كثيرة.
فإن هؤلاء يقولون : إنه معنى واحد قائم بالذات، وأن معني التوراة والإنجيل والقرآن واحد، وأنه لا يتعدد ولا يتبعض، وأنه إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وبالعبرانية كان توراة، وبالسريانية كان إنجيلا، فيجعلون معنى آية الكرسي وآية الدين و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، والتوراة والإنجيل وغيرهما معنى واحدًا، وهذا قول فاسد بالعقل والشرع، وهو قول أحدثه ابن كلاب لم يسبقه إليه غيره من السلف.