وإن أراد القائل بالحرف والصوت أن الأصوات المسموعة من القراء، والمداد الذي في المصاحف قديم أزلي، أخطأ وابتدع، وقال ما يخالف العقل والشرع؛ فإن النبي ﷺ قال :( زينوا القرآن بأصواتكم ) فبين أن الصوت صوت القارئ، والكلام كلام البارئ، كما قال تعالى ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ التوبة : ٦ ] فالقرآن الذي يقرؤه المسلمون كلام الله لا كلام غيره كما ذكر الله ذلك، وفي السنن عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ كان يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول :/ ( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي )، وقالوا لأبي بكر الصديق لما قرأ عليهم :﴿ الم غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾
[ الروم : ١، ٢ ] أهذا كلامك أم كلام صاحبك ؟ فقال : ليس بكلامي ولا كلام صاحبي؛ ولكنه كلام الله ـ تعالى.
والناس إذا بلغوا كلام النبي ﷺ كقوله :( إنما الأعمال بالنيات ) فإن الحديث الذي يسمعونه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، تكلم به بصوته وبحروفه ومعانيه، والمحدث بلغه عنه بصوت نفسه لابصوت النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن أولى أن يكون كلام الله إذا بلغته الرسل عنه، وقرأته الناس بأصواتهم.
والله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه بصوت نفسه، ونادى موسى بصوت نفسه؛ كما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وصوت العبد ليس هو صوت الرب ولا مثل صوته؛ فإن الله ليس كمثله شىء، لافي ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.


الصفحة التالية
Icon