والله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه، فجميعه كلام الله، فلا يقال : بعضه كلام الله وبعضه ليس بكلام الله، وهو ـ سبحانه ـ نادى موسي بصوت سمعه موسى، فإنه قد أخبر أنه نادى موسى في غير موضع من القرآن كما قال تعالى :﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [ النازعات : ١٥، ١٦ ]، والنداء لا يكون إلا صوتًا باتفاق أهل اللغة، وقد قال تعالى :﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [ النساء : ١٦٣، ١٦٤ ] فقد فرق الله بين إيحائه إلى النبيين وبين تكليمه لموسى، /فمن قال : إن موسى لم يسمع صوتًا؛ بل ألهم معناه لم يفرق بين موسى وغيره، وقد قال تعالى :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ] وقال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ﴾ [ الشورى : ٥١ ] فقد فرق بين الإيحاء والتكلم من وراء حجاب كما كلم الله موسى، فمن سوى بين هذا وهذا كان ضالا.


الصفحة التالية
Icon