وهؤلاء أيضًا وافقوا الجهمية والمعتزلة في أصل قولهم أنه متكلم بكلام لا يقوم بنفسه ومشيئته وقدرته، وأنه لا تقوم به الأمور الاختيارية، وأنه لم يستو على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض، ولا يأتي يوم القيامة، ولم يناد موسى حين ناداه، ولا تغضبه المعاصي ولا ترضيه الطاعات ولا تفرحه توبة التائبين. وقالوا في قوله :﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ التوبة : ١٠٥ ]، ونحو ذلك : إنه لا يراها إذا وجدت، بل إما أنه لم يزل رائيًا لها، وإما أنه لم يتجدد شيء موجود بل تعلق معدوم، إلي أمثال هذه المقالات التي خالفوا فيها نصوص الكتاب والسنة مع مخالفة صريح العقل.
والذي ألجأهم لذلك موافقتهم للجهمية على أصل قولهم في أنه ـ سبحانه ـ لا يقدر في الأزل على الفعل والكلام، وخالفوا السلف والأئمة في قولهم : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء ثم افترقوا أحزابًا أربعة ـ كما تقدم ـ الخلقية والحدوثية، والاتحادية، والاقترانية.
وشر من هؤلاء الصابئة والفلاسفة الذين يقولون : إن الله لم يتكلم لا بكلام قائم بذاته، ولا بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته، لا قديم النوع، ولا قديم العين، ولا حادث، ولا مخلوق، بل كلامه عندهم ما يفيض على نفوس الأنبياء. ويقولون : إنه كلم موسي من سماء عقله، وقد يقولون : إنه - تعالى- يعلم الكليات دون الجزئيات؛ فإنه إنما يعلمها على وجه كلي، ويقولون مع ذلك : إنه يعلم نفسه ويعلم ما يفعله.


الصفحة التالية
Icon