ومنه قول النبي ﷺ :( أفضل الكلام بعد / القرآن أربع، وهن من القرآن : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ) رواه مسلم في صحيحه. فأخبر أنها أفضل الكلام بعد القرآن وقال : هي من القرآن. فهي من القرآن باعتبار، وليست من القرآن باعتبار، ولو قال القائل :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [ مريم : ١٢ ] ومقصوده القرآن كان قد تكلم بكلام الله ولم تبطل صلاته باتفاق العلماء، وإن قصد مع ذلك تنبيه غيره لم تبطل صلاته عند جمهور العلماء، ولو قال لرجل اسمه يحيى وبحضرته كتاب : يا يحيي خذ الكتاب لكان هذا مخلوقًا؛ لأن لفظ يحيى هنا مراد به ذلك الشخص، وبالكتاب ذلك الكتاب ليس مراداً به ما أراده الله بقوله :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ ﴾، والكلام كلام المخلوق بلفظه ومعناه.
وقد تنازع الناس في [ مسمى الكلام ] في الأصل، فقيل : هو اسم اللفظ الدال على المعنى. وقيل : المعنى المدلول عليه باللفظ. وقيل : لكل منهما بطريق الاشتراك اللفظي. وقيل : بل هو اسم عام لهما جميعًا يتناولهما عند الإطلاق، وإن كان مع التقييد يراد به هذا تارة وهذا تارة. هذا قول السلف وأئمة الفقهاء وإن كان هذا القول لا يعرف في كثير من الكتب.
وهذا كما تنازع الناس في مسمى [ الإنسان ] : هل هو الروح فقط أو الجسد فقط ؟ والصحيح أنه اسم للروح والجسد جميعًا، وإن / كان مع القرينة قد يراد به هذا تارة وهذا تارة، فتنازعهم في مسمى النطق كتنازعهم في مسمى الناطق. فمن سمى شخصًا محمدًا وإبراهيم، وقال : جاء محمد وجاء إبراهيم، لم يكن هذا محمدًا وإبراهيم المذكورين في القرآن. ولو قال : محمد رسول الله، وإبراهيم خليل الله، يعني به خاتم الرسل وخليل الرحمن، لكان قد تكلم بمحمد وإبراهيم الذي في القرآن، لكن قد تكلم بالاسم وألفه كلاما، فهو كلامه لم يتكلم به في القرآن العربي الذي تكلم الله به.


الصفحة التالية
Icon