والجواب عن ذلك : أن هذه الأمور وغيرها إذا أخذت مجردة مطلقة غير مقيدة ولا مشخصة لم يكن لها حقيقة في الخارج عن الأذهان / إلا شيء معين، فليس ثم وجود إلا وجود الخالق أو وجود المخلوق، ووجود كل مخلوق مختص به وإن كان اسم الوجود عاما يتناول ذلك كله، وكذلك العلم والقدرة اسم عام يتناول أفراد ذلك، وليس في الخارج إلا علم الخالق وعلم المخلوق، وعلم كل مخلوق مختص به قائم به، واسم الكلام والحروف يعم كل ما يتناوله لفظ الكلام والحروف وليس في الخارج إلا كلام الخالق وكلام المخلوقين. وكلام كل مخلوق مختص به واسم الكلام يعم كل ما يتناوله هذا اللفظ، وليس في الخارج إلا الحروف التي تكلم الله بها الموجودة في كلام الخالق، والحروف الموجودة في كلام المخلوقين. فإذا قيل : إن علم الرب وقدرته وكلامه غير مخلوق، وحروف كلامه غير مخلوقة، لم يلزم من ذلك أن يكون علم العبد وقدرته وكلامه غير مخلوق، وحروف كلامه غير مخلوقة.
وأيضًا، فلفظ [ الحرف ] يتناول الحرف المنطوق والحرف المكتوب، وإذا قيل : إن الله تكلم بالحروف المنطوقة كما تكلم بالقرآن العربي وبقوله :﴿ الم ـ وحم ـ وطسم ـ وطس ـ ويس ـ وق ـ ون ﴾ ونحو ذلك، فهذا كلامه وكلامه غير مخلوق، وإذا كتب في المصاحف كان ما كتب من كلام الرب غير مخلوق وإن كان المداد وشكله مخلوقًا.