وأيضا، فإذا قرأ الناس كلام الله، فالكلام في نفسه غير مخلوق إذا كان الله قد تكلم به، وإذا قرأه المبلغ لم يخرج عن أن يكون / كلام الله؛ فإن الكلام كلام من قاله مبتدئًا أمرًا يأمر به، أو خبرًا يخبره، ليس هو كلام المبلغ له عن غيره؛ إذ ليس علي الرسول إلا البلاغ المبين. وإذا قرأه المبلغ فقد يشار إليه من حيث هو كلام الله، فيقال : هذا كلام الله، مع قطع النظر عما بلغه به العباد من صفاتهم، وقد يشار إلى نفس صفة العبد كحركته وحياته، وقد يشار إليهما، فالمشار إليه الأول غير مخلوق، والمشار إليه الثاني مخلوق، والمشار إليه الثالث فمنه مخلوق ومنه غير مخلوق، وما يوجد في كلام الآدميين من نظير هذا هو نظير صفة العبد لا نظير صفة الرب أبدًا.
وإذا قال القائل : القاف في قوله :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [ طه : ١٤ ] كالقاف في قوله : قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل**
قيل : ما تكلم الله به وسمع منه لا يماثل صفة المخلوقين، ولكن إذا بلغنا كلام الله، فإنما بلغناه بصفاتنا وصفاتنا مخلوقة، والمخلوق يماثل المخلوق.
وفي هذا جواب للطائفتين؛ لمن قاس صفة المخلوق بصفة الخالق فجعلها غير مخلوقة، فإن الجهمية المعطلة أشباه اليهود، والحلولية الممثلة / أشباه النصارى، دخلوا في هذا وهذا، أولئك مثلوا الخالق بالمخلوق فوصفوه بالنقائص التي تختص بالمخلوق؛ كالفقر والبخل، وهؤلاء مثلوا المخلوق بالخالق فوصفوه بخصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله، والمسلمون يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبتون له ما يستحقه من صفات الكمال، وينزهونه عن الأكفاء والأمثال، فلا يعطلون الصفات ولا يمثلونها بصفات المخلوقات؛ فإن المعطل يعبد عَدَمًا، والممثل يعبد صَنَمًا، والله ـ تعالى ـ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [ الشورى : ١١ ].