ومما ينبغي أن يعرف : أن كلام المتكلم في نفسه واحد، وإذا بلغه المبلغون تختلف أصواتهم به، فإذا أنشد المنشد قول لَبِيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
كان هذا الكلام كلام لبيد، لفظه ومعناه، مع أن أصوات المنشدين له تختلف، وتلك الأصوات ليست صوت لبيد، وكذلك من روى حديث النبي ﷺ بلفظه، كقوله :( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نَوَى ) كان هذا الكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لفظه ومعناه، ويقال لمن رواه : أدى الحديث بلفظه، /وإن كان صوت المبلغ ليس هو صوت الرسول، فالقرآن أولى أن يكون كلام الله، لفظه ومعناه، وإذا قرأه القراء فإنما يقرؤونه بأصواتهم.
ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة يقولون : من قال : اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جَهْمِيٌّ، ومن قال : إنه غير مخلوق فهو مبتدع. وفي بعض الروايات عنه : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ـ يعني به القرآن ـ فهو جهمي؛ لأن اللفظ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ومسمى هذا فعل العبد وفعل العبد مخلوق، ويراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ، وذلك كلام الله لا كلام القارئ، فمن قال : إنه مخلوق فقد قال : إن الله لم يتكلم بهذا القرآن، وأن هذا الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله، ومعلوم أن هذا مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول.