وأما صوت العبد فهو مخلوق، وقد صرح أحمد وغيره بأن الصوت المسموع صوت العبد، ولم يقل أحمد قط : من قال : إن صوتي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإنما قال : من قال : لفظي بالقرآن، والفرق بين لفظ الكلام وصوت المبلِّغ له فرق واضح، فكل من بلغ كلام غيره بلفظ ذلك الرجل فإنما بلغ لفظ ذلك الغير لا لفظ نفسه، وهو إنما بلغه بصوت نفسه لا بصوت ذلك الغير، و نفس اللفظ والتلاوة والقراءة والكتابة ونحو ذلك لما كان يراد به المصدر الذي هو حركات / العباد، وما يحدث عنها من أصواتهم وشكل المداد، ويراد به نفس الكلام الذي يقرأه التالي ويتلوه ويلفظ به ويكتبه، منع أحمد وغيره من إطلاق النفي والإثبات، الذي يقتضى جعل صفات الله مخلوقة، أو جعل صفات العباد ومدادهم غير مخلوق.
وقال أحمد : نقول : القرآن كلام الله غير مخلوق حيث تصرف، أي حيث تلى وكتب وقرئ مما هو في نفس الأمر كلام الله، فهو كلامه، وكلامه غير مخلوق، وما كان من صفات العباد وأفعالهم التي يقرءون ويكتبون بها كلامه كأصواتهم ومدادهم فهو مخلوق، ولهذا من لم يهتد إلى هذا الفرق يحار؛ فإنه معلوم أن القرآن واحدٌ ويقرؤه خلق كثير، والقرآن لا يكثر في نفسه بكثرة قراءة القراء، وإنما يكثر ما يقرءون به القرآن، فما يكثر ويحدث في العباد فهو مخلوق، والقرآن نفسه لفظه ومعناه الذي تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله، وسمعه محمد من جبريل، وبلغه محمد إلى الناس، وأنذر به الأمم؛ لقوله تعالى :﴿ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ] قرآن واحد، وهو كلام الله ليس بمخلوق.